مدونة شجون الروح: مايو 2019

التوقيت المحلي

اخر الاخبار

آخر الأخبار

السبت، 25 مايو 2019

السيدة عائشة أم المؤمنين




السيدة عائشة أم المؤمنين

الرؤيا:
مضت فترة على زواج النبي r من «سودة» ثم استيقظ صبيحة يوم مسترجعًا في مخيلته ذكرى حلم رآه، فقد جاءه جبريل - u - بقطعة قماش حريري عليها صورة «عائشة بنت أبي بكر» وقال له: «إنها زوجتك في الدنيا والآخرة».
فأخذ r يفكر في أمر هذه الرؤيا.. ثم صرفه ذهنه عنها معتبرًا إياها أضغاث أحلام ولم يولها عنايته واهتمامه فقد كانت مشاغل الدعوة وأعباء الرسالة أكبر من هذا الخاطر العابر وأعظم منه، لكن الرؤيا تكررت ليومين على التوالي فأدرك النبي r أنها أمر من الله – سبحانه وتعالى -.. ولابد من تنفيذ أمر الله. ثم بكر – عليه الصلاة والسلام – إلى دار أبي بكر t فاستقبله مرحبًا.
ولما استقر المقام بالنبي r قص على أبي بكر رؤياه فأصغى t وقد أدرك أن النبي r قد جاءه خاطبًا. ثم التفت إلى النبي r وقال: «إنها ما زالت صغيرة يا رسول الله... وسأرسلها إليك لتراها».
ثم غادر رسول الله r دار أبي بكر، كانت السعادة والفرحة تغمران نفس الصديق فإنه لشرف عظيم ومنزلة سامية أن يصاهره النبي r ثم دخل حرم أهله ونادى «عائشة» والتي كانت منهمكة في اللهو بدماها، ثم حملها إناء فيه تمر وطلب إليها أن توصله إلى بيت رسول الله r وتقول له: «هذا كل ما عندتا يا رسول الله r فهل يوافقك؟» فعل أبو بكر t ذلك بعد أن أخبر زوجته أم رومان بالأمر وأخذ رأيها.
الخطبة:
أسرعت «عائشة» الطفلة الفتاة إلى بيت رسول الله r فهشَّ لها وحياها، ثم قدمت له وعاء التمر الذي أرسلت به وقالت له ما علمها أبوها ثم عادت ثانية إلى والدها فسألها:
«ماذا قال يا بنية؟ أجابت: قال: نعم وعلى بركة الله»، لقد ذهبت «عائشة» إلى بيت النبي r تنفيذًا لأمر أبيها وهي لا تدري من أمر هذه الزيارة شيئًا ولا الغاية منها، إذ كانت صغيرة في السن، ولا تدرك معها منطويات هذه الأمور وأهداف هذه التحركات وأبعادها ومراميها.
لقد ارتاحت نفس الصديق t غاية الراحة وسر غاية السرور لجواب النبي r وخطبت عائشة لرسول الله r وهي بنت سبع سنين (على أصح الروايات) وبقي أمر هذه الخطبة مكتومًا لا يعلم به أحد سوى رسول الله r وأبو بكر وزوجته أم رومان وكان رسول الله r كثير التردد على أبي بكر فيوصي بعائشة خيرًا؛ إذ كانت طفلة صغيرة لا تفقه من شئون الحياة إلا القليل وكانت مثل صديقاتها في سنها تقضي معظم أوقاتها لاهية لاعبة تأخذ دميتها في حجرها فتسرح لها شعرها أو تلبسها خرقًا تسميها ثيابًا أو تهدهدها لتغفو.
لقد وثقت هذه الخطبة أواصر المحبة والصداقة بين
رسول الله
r وصديقه الحميم أبي بكر t وزادتها متانة وقوة.


الزواج:
سنوات الكفاح والجلاد والجهاد حتى كانت الهجرة إلى المدينة وبعد أن استقرَّ المقام بالمسلمين فيها، وآخى رسول الله r بين المهاجرين والأنصار وجمع بين الأوس والخزرج على طريق الإيمان والإسلام وعاهد يهود المدينة من بني قينقاع وبني النضير على التعايش بأمن وسلام لا يغدروا بالمسلمين ولا ينصروا عليهم عدوًا ولهم دينهم وشئون حياتهم الخاصة، بعد هذا كله جاءه أبو بكر الصديق t مذكرًا يمشي على استحياء.. جاءه r في ساعة من صفاء وراحة قائلاً: «ما الذي يمنعك أن تبني بأهلك يا رسول الله؟» فالتفت النبي r إلى أبي بكر وكأنه تنبه إلى نفسه وفكر في خطبته لعائشة التي مضت عليها سنوات فعائشة اليوم قد اكتملت أنوثة، وهي أصلح ما تكون لإتمام الزيجة فأجاب r أبا بكر بالإيجاب والابتسامة الرقيقة لا تفارق ثغره الشريف.
في بيت رسول الله:
دخلت عائشة – رضي الله عنها – بيت رسول الله r تحمل ضمن جهازها المتواضع جدًا الدمى!! إذ كانت رغم اكتمال أنوثتها ما تزال في سن مبكرة تغلب عليها السذاجة وطابع الطفولة.
فقد دخل رسول الله r بيته يومًا فوجد عائشة قد صفَّت العرائس وجعلت لبعضها أجنحة فسألها «عما تصنع» فقالت: «إنهن خيول سليمان»، فتبسم رسول الله r وعاد يسألها: «وما هذه الأجنحة» فقالت: «ألم تكن لسليمان خيول ذات أجنحة يطرن بها؟» فضحك رسول الله r ولم يكن ليتضايق منها أو يتألم أو يبدي ضجرًا أو اشمئزازًا ولكنه كان يرعاها رعاية الأب الحنون أو الوالد العطوف كيف لا؟ وهو نبي الرحمة وهو الذي يقول: «استوصوا بالنساء خيرًا»، وفي ذات يوم دخل الدار فرأى عائشة – رضي الله عنها – قد غلبها النوم والشاة تأكل الخبز الذي أعدته فتبسم من ذلك ثم أيقظها برفق وواساها حين أبدت ندمها وحزنها على ما فرطت وأهملت، لقد كان – عليه الصلاة والسلام – معلمًا عظيمًا وأبًا كريمًا وزوجًا وفيًا..
وبهذه الصفات التي حلاه ربه بها، والمبادئ التي بشر بها انتصر على الجهل فأيقظ العقول، وحطم الأوثان، وقضى على الشرك فمحا من القلوب ما ران عليها من أدران العبودية لغير الله تعالى.
الزوجة الوفية:
كبرت عائشة – رضي الله عنها – ونضجت واستوت عقلاً وفهمًا وإدراكًا فكانت سيدة بيت رسول الله r ترعى شئونه وتدبر أموره وتواسيه حين تجب المواساة وتطيعه في توجيهاته وتحفظ عنه الكثير من أقواله وتتأسى بأفعاله وتقوم بأمور بيت الزوجية خير قيام، وعرف رسول الله r لها ذلك الفضل فكانت أحب نسائه إليه، وعرف فيها الذكاء والوفاء والوعي والفهم.
لكن عائشة – رضي الله عنها – لم تكن لتفارقها طباع النساء من غيرةٍ، فقد حدث مرة أن خرج رسول الله r في إحدى الغزوات واصطحب معه من نسائه عائشة وحفصة وفي الطريق رأت حفصة كثرة اقتراب النبي r من هودج عائشة يكلمها ويحدثها فخطر لها خاطر، فما أن ابتعد النبي r عن هودج عائشة حتى اقتربت منها حفصة وأسرت إليها بكلام تضاحكتا بعده، ثم استبدلتا ركوبيهما عائشة في هودج حفصة وحفصة في هودج عائشة، ثم أقبل رسول الله r يكلمها وهو لا يعلم أن حفصة بداخله فكلمته وحدثته على أنها عائشة، وعندما أقبل المساء وتوقف الركب عن المسير وقصد النبي r خباء عائشة فوجئ بحفصة في داخله.. لكنه r لم يبدِ انزعاجًا وقضى ليلته عندها وكانت ليلة ليلاء على عائشة التي حرمت من بركته r وأضاعت فيها نصيبها وأرقت طوال ليلها ولم يعرف النوم سبيلاً إلى عينيها ولامت نفسها إن عادت لمثل ذلك.
الزوجة الغيور:
وفي ذات ليلة خرج رسول الله r إلى البقيع حيث مدافن المسلمين وكثيرًا ما كان يخرج إليها ليلاً بعد صلاة الفجر يزور أهل البقيع ويسلم عليهم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويتذكر الموت والآخرة. فاستفاقت عائشة فلم تجده بجوارها فقلقت وتحيرت في أمرها وظلت على حالها تلك حتى عاد الرسول r ورأى ما هي عليه من الهم والأرق، فأنكر ذلك منها وقد ظنت أنه r قد خرج إلى إحدى نسائه غيرها، فقال لها: «إذًا فقد غلبك شيطانك يا عائشة!!» فسألته أي شيطان يا رسول الله؟ فقال r: «نعم لكل إنسان شيطان» فأردفت: وحتى أنت يا رسول الله!؟
فأجابها r: «نعم ولكن الله – تعالى – أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير» بمعنى أنه استسلم ولم يعد له سلطان عليه أو بمعنى أسلم أي دخل الإسلام على قول بعض أهل العلم.
ولقد وصل حب النبي r لعائشة – رضي الله عنها – إلى جعل باقي نسائه – عليه الصلاة والسلام – تشتد غيرتهن منها وتدفعهن تلك الغيرة أن يرسلن فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – إلى أبيها يطلبن العدل بينهن. فجاءت أباها تنقل إليه احتجاج أزواجه فغضب – عليه الصلاة والسلام – وأعرض عنها بوجهه مع حبه الشديد لها.. لكن فاطمة أعادت الحديث وكررت الطلب وكانت لها دلال على أبيها r فقال لها:
«أو لست تحبين ما أحب؟» فردت بلى يا رسول الله... فقال لها:
«إذًا أحبي هذه» فسكتت فاطمة برهة أضاف بعدها r قائلاً: «فليتقين الله في عائشة فوالله ما نزل عليَّ الوحي وأنا في فراش واحدة منهن غيرها».
يا نساء النبي:
وفتن الشيطان يومًا نساء النبي r ووسوس إليهن أن يطلبن زيادة النفقة والتوسعة عليهن فغضب لذلك غضبًا شديدًا وأقسم أن لا يدخل بيوتهن شهرًا...! كما خيرهن بين متعة الحياة الدنيا وزخرفها وزينتها وبين العيش في كنف النبوة وظلال الرسالة. ولما آثرن البقاء بجانبه r كان أول بيت دخله من بيوت أزواجه هو بيت عائشة وكان مما قالته يومئذ معتذرة لرسول الله r: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله أفي هذا تخيرني؟ بل أختار الله ورسوله» وعاد الصفاء والود إلى بيت رسول الله r وانزاحت السحب والغيوم التي تلبدت في سمائه فترة من الزمن.
حديث الإفك:
ولقد كان حديث الإفك من أشد وأصعب ما واجهت عائشة – رضي الله عنها – في حياتها ومن أقسى ما تعرض له بيت النبوة إلى أن تنزلت آيات الله – تعالى – في سورة النور تكشف الغمة وتبددها.
فلقد خرج النبي r في جيش من المسلمين في المدينة إلى ديار بني المصطلق لتأديبهم ومعاقبتهم على ما كان منهم وكان سهم الخروج من نصيب عائشة من بين أزواجه. وحين تم النصر للمسلمين على بني المصطلق الذين لقوا جزاء غدرهم ونفاقهم ووزعت الغنائم والأسلاب وقد التقى عند حوض المساء كان يستقي من المسلمين أحد الأنصار وأحد المهاجرين فتزاحما وتنافرا وكاد خصامهما يؤدي إلى اشتباك بين المؤمنين. ومما زاد في تأجيج نار الفتنة ما قاله رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعز منها الأذل.
وسمع أحد المسلمين تلك المقالة وشهد الحادثة ومن ثم رأى بوادر الفتنة فأسرع إلى رسول الله r ينقل له الخبر وما قاله ابن سلول فرأى – عليه الصلاة والسلام – أن من الحكمة أن يشغل الناس عن الفتنة بالمسير على الفور بعد أن أقاموا للاستراحة. في أثناء ذلك كانت عائشة قد خرجت من خبائها لقضاء حاجة بعيدًا عن معسكر المسلمين وهي لا تدري من أمر ما يحدث شيئًا وابتعدت كثيرًا وحين رحل المسلمون رفع هودجها من مكانه ظنًا من قائده أنها بداخله ومضى المسلمون في طريقهم إلى المدينة. عادت عائشة مما ذهبت إليه وافتقدت عقدًا كانت تزين به جيدها فلم تجده فرجعت سريعًا إلى حيث كانت ولملمت حبات العقد المتناثرة وعادت على جناح السرعة وحين بلغت طرف المعسكر ومكان الهودج لم تجد أثرًا لبشر فارتاعت وجزعت وألم بها خوف شديد ثم لبثت في مكانها لا تدري كيف تتصرف وماذا تفعل! وكان من عادة رسول الله r القائد الظافر الخبير أن يرسل إثر كل غزوة رجلاً من أصحابه اسمه صفوان بن المعطل يستدرك ما فاته المسلمون عند رحيلهم، وفوجئت عائشة – رضي الله عنها – بخيال فارس يأتي حيث تقف فأرخت حجابها وعندما لمحها صفوان غض بصره وقال في دهشة وعجب!! ظعينة رسول الله؟ ما خلفك رحمك الله؟ وما الذي أخرجك؟ ثم نزل عن بعيره وتأخر حتى ركبت ثم تقدم وأمسك بالمقود وشغل بال رسول الله r على عائشة حتى عادت واطمئن عليها وسمع بعذرها وصدقها بعد أن افتقدها فلم يجدها واهتم لأمرها.
وكان عندما أطل موكب صفوان وعائشة على مداخل المدينة المنورة ولمحه ابن سلول المنافق الذي كان جالسًا مع بضعة نفر من أتباعه ووجد المادة التي يتسلى بها والسم الذي ينفث لينفس عن حقده وحسده لرسول الله r وعلى المسلمين فقال: أيها الناس ظعينة نبيكم عادت في ركاب رجل والله ما نجت منه ولا نجا منها وسرت أكذوبة ابن سلول بين الناس مسرى النار في الهشيم وتناقلتها الألسنة تصريحًا وتلميحًا.
لكن عائشة – رضي الله عنها – دخلت منزلها خالية الذهن لا تدري من أمر هذا الإفك والافتراء شيئًَا ثم وصل الهمس إلى أذن رسول الله فعاش فترة من الحيرة والقلق والهم الشديد، يبدو ذلك على محياه الشريف ويظهر في تصرفاته وكانت عائشة تعلل تلك الظواهر في وجهه r أو انصرافه عنها بسبب انشغاله بأمور الدعوة وشئون المسلمين، وحين استفحل الأمر وقد شعرت – رضي الله عنها – بالمرض يداهما استأذنت رسول الله r أن تذهب إلى بيت أبيها كي تقوم أمها على خدمتها ورعايتها ولقي طلبها هذا سرعة استجابة من رسول الله r مما جعلها تحزن وتتوجس لأنه – عليه الصلام والسلام – لم يكن ليطيق فراقها أو ابتعادها عنه ودخلت عائشة منزل والدها الصديق الحزين t الذي ما انفك يدعو الله – تعالى – أن يبرئ ساحة ابنته. وقضت في بيت أبي بكر t قرابة العشرين يومًا حتى شفيت من مرضها.
وفي ليلة خرجت مع امرأة من ألأنصار ممن كن يزرنها لقضاء حاجة بعيدًا في الخلاء وبينما كن في الطريق عثرت المرأة بطرف ثوبها وكادت تسقط أرضًا فقالت: تعس «مسطح» فانتفضت عائشة وقالت بحدة وغضب: بئس لعمر الله ما قلت في رجل من المهاجرين ممن شهدوا بدرًا... فقالت المرأة: عجبًا وتدافعين عنه أو ما بلغك الخبر يا ابنة أبي بكر؟ فأجابت عائشة مستفسرة بدهشة: وما الخبر؟ فقصت عليها المرأة حديث الإفك وما يشاع عنها وما يروجه دعاة السوء من أقاويل وافتراءات. وكان مسطح بن أثاثة واحدًا من الذين أطلقوا لألسنتهم العنان ينالون به من شرف عائشة وسمعتها، ولما فرغت المرأة من الحديث كاد يغمى على عائشة فتماسكت وعادت إلى البيت تبكي وتنتحب وتلوم أمها لأنها كتمت عنها الخبر رأفة بها، وراحت الأم تخفف من حدة غضب «عائشة» والدموع تنهمر من عينيها فتغسل وجهها وتقول: أي بنية هوني عليك الشأن فوالله ما كانت امرأة حسناء عند زوج يحبها ولها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها لكن أين عائشة وأين أمها!!
لقد كانت في هم شديد، الدنيا كلها في نظرها مظلمة سوداء. فقبعت في الدار متوارية عن الناس عازفة عن الطعام والشراب لا تغفو ولا تنام تبكي وتنشج. ولم يكن سكوت رسول الله r سكوت الصدق – معاذ الله – ولكن سكوت الصابر حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً. وحين كثر القيل والقال خطب في الناس فقال: «أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت منهم إلا خيرًا، ويقولون ذلك في رجل ما علمت منه إلا خيرًا وما يدخل بيتًا من بيوتي إلا وهو معي (يعني صفوان بن المعطل)» فسكت الناس جميعًا ثم أراد رسول الله أن يستشير خلصاءه في هذا الأمر وأصفياءه فاستدعى إليه ابن عمه علي بن أبي طالب وحبه أسامة بن زيد وسألهما رأيهما فقال أسامة: إنك لأعلم الناس بعائشة يا رسول الله وإن الناس لتكذب وما عرفت عنها إلا خيرًا، وأما علي فقال: يا رسول الله إن النساء كثيرات وإنك لقادر على أن تستخلف (أي تنجب الأبناء) وسل الجارية تصدقك.
فدعا رسول الله جاريتها ليسألها فتقول بريرة: والله ما أعلم إلا خيرًا وما كنت أعيب على عائشة شيئًا إلا أني كنت أعجن فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله!
وحين سأل رسول الله r عمر بن الخطاب t قال: تسألني يا رسول الله عن عائشة وإني بدوري أسألك: من زوجك إياها؟
فأجاب رسول الله بهدوء: «الله تعالى».
فقال عمر: إذًا أفتظن أن الله قد خدعك ودلس عليك فيها؟ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
البراءة من السماء:
وفتر الوحي وتوقف مدة عن رسول الله r، مما جعل لألسنة السوء والفحشاء مجالاً وميدانًا فسيحًا...!
ولم يبق أمام رسول الله r إلا المواجهة فعزم على الذهاب إلى دار أبي بكر t وحين دخل – عليه الصلاة والسلام – إلى الدار كانت عائشة تبكي وبجوارها امرأة من الأنصار، فكفكفت دمعها ومسحت عينيها، ثم جلس رسول الله قبالتها يسألها: «يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقي الله؛ فإن كنت قد قارفت سوءًا مما يقولون فتوبي إلى الله إن الله يقبل التوبة من عباده». ونزل القول على رأس عائشة نزول الصاعقة، فخيم الصمت الرهيب على المكان وشمل الجميع السكوت.. ولكن عائشة وحدها تكلمت ودموعها تدفقت من عينيها بغزارة، تكلمت لتدافع عن نفسها ثم نظرت إلى والديها وقالت صائحة صارخة: ألا تجيبان؟! فقالا: «والله ما ندري بماذا نجيب». فعادت إلى البكاء مع النشيج والنحيب، وقد تقطعت نياط قلبها حزنًا وألمًا ثم التفتت إلى
رسول الله
r قائلة: «والله، لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدًا والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أني بريئة لأقولن ما لم يكن، ولئن أنكرت ما يقولون لا يصدقوني، إنما أقول كما قال أبو يوسف (يعقوب - u -) «فصبر جميل والله المستعان على ما يصفون»، ثم عاد السكون يلف المكان بردائه الشامل، وشعر رسول الله بأن الوحي يكاد ينزل عليه فسجى في ثوبه وأتته عائشة بوسادة من أدم وضعتها تحت رأسه وفزع الجميع إلا عائشة الطاهرة البرئية.
وحين استفاق -عليه الصلاة والسلام- من غشية الوحي وهو يتصبب عرقًا كالجمان قال: «أبشري يا عائشة قد أنزل الله براءتك...!» فصاحت والفرحة تغمر قلبها: «الحمد الله» ثم تلا رسول الله r قول الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{ [النور: 11-18].
ثم أمر رسول الله r بالأشخاص الذين كانوا يروجون ويفترون ويقذفون فنالوا جزاءهم.
وعادت الطاهرة البريئة إلى بيتها وإلى مقامها في قلب رسول الله r وإلى مكانتها الرفيعة في نفوس المسلمين جميعًا.
بعد رسول الله:
فتح المسلمون مكة وطهروا البيت الحرام من دنس الأوثان والأصنام وارتفعت كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» مدوية في سماء الجزيرة العربية وبعد أن حج رسول الله r حجة الوداع وتلا عليهم يومها قول الله تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ [المائدة: 3] دمعت عينا أبي بكر t - إذ شعر بقرب لحوق النبي r بالرفيق الأعلى وانتقاله إلى جوار ربه.
في بيت عائشة:
وحين دهمت الحمى رسول الله r سأل نساءه مستأذنًا بكل ما كان يتمتع به من أدب النبوة أن يمرض في حجرة عائشة فأذِن له.
فقامت عائشة – رضي الله عنها – المُحبة الوفية بتمريضه r والاعتناء به على خير ما يكون الحب والوفاء، وأوصى r أن يدفن في حجرتها وهكذا كان. ولقد كانت – رضي الله عنها – أكثر نسائه وأهله حزنًا لفراقه وألمًا لبعاده وهي تذكر سالف أيامها معه وسنوات عمرها التي رافقته فيها. وتولى والدها أبو بكر خلافة المسلمين ثم تبعه عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – والكل يعرف لها مكانتها ومنزلتها وفضلها وعلمها. فكم من قول وفعل كان لرسول الله r أخذ عنها وسمع منها، وفي هذا نستطيع القول أن شطرًا وجانبًا هامًا من الأحكام الفقهية كان مصدره عائشة – رضي الله عنها – فهي الحافظة الراعية لخصوصيات البيت النبوي الشريف، ولما كانت خلافة الخليفة الراشد عثمان بن عفان t وظهرت بوادر الفتنة مكشرة عن أنيابها كان بيت عائشة ذلك الحين ملتقى كبار الصحابة – رضوان الله عليهم – يعرضون عليها ما يرون وما يسمعون ويطلبون أن تدلي برأيها في الأمور كي يستقيم الحال وينضبط الوضع لكنها كانت تتردد خشية الدخول في باب لا تدري إلى أين ينتهي.
واستشهد عثمان t وقتل ظلمًا وغدرًا ووقعت الواقعة وتولى علي بن أبي طالب t الخلافة، وحاول الأمويون عشيرة عثمان وأهله أن يتخذوا من استشهاده ذريعة للخلاف بينهم وبين علي والانتقاض عليه، يطالبونه بالاقتصاص الفوري من قتله عثمان ويؤخرهم في ذلك ريثما تهدأ أعاصير الفتنة ورياحها وجاء إلى عائشة من يوغر صدرها على علي ويذكرها بما قاله في شأنها يوم حادثة الإفك، وخرجت جموع من الناس فيهم الزبير بن العوام وولداه عبد الله وعروة وطلحة بن عبد الله يتهمونه بالتلكؤ في القصاص من قتلة عثمان، وبدأت محاولات للمصالحة وكادت المصالحة تتم حتى أن الزبير بن العوام غادر الميدان فعلاً، إلا أن سهمًا مجهول المصدر أصاب طلحة بن عبد الله فوقع t شهيدًا، وسالت دماء المسلمين وحدثت موقعة «معركة الجمل»، حيث كانت عائشة – رضي الله عنها – تركب جملاً فسميت بهذا الاسم، وكان عليٌ t وفاء منه لرسول الله r كريمًا فأكرم عائشة وحفظها من كل سوء. وأنزلها منزلاً مباركًا وأعادها مع أخيها محمد بن أبي بكر إلى المدينة معززة مصونة مكرمة محترمة.
الوفاة:
مرضت عائشة – رضي الله عنها – وكان قد سبقها إلى الدار الآخرة معظم نساء النبي r ثم اشتد عليها المرض حتى فارقت الحياة الدنيا، جرى دفنها في البقيع وكانت وفاتها سنة ثمان وخمسين من الهجرة ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان على أرجح الأقوال.
وقد بلغت من العمر تسعة وستين عامًا وكان الصحابي الجليل أبو هريرة t ممن حضر جنازتها وبينما هو في طريق عودته من البقيع بعد الدفن وقد فاضت عيناه بالدموع كان يردد: رحم الله أم المؤمنين عائشة لقد كانت حياتها صفحة ناصعة شديدة النقاء بالغة الطهارة – رضي الله عنها وأرضاها – وأكرم نزلها ومثواها وألحقنا بها في الصالحين من عباده.


السيدة فاطمة الزهراء




السيدة فاطمة الزهراء

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا إتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
إليكم الحديث عن السيدة فاطمة الزهراء من حيث: نسبها, زواجها, أولادها, مكانتها عند أبيها:
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والعشرين من سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عنهن أجمعين، ومع بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الابنة الرابعة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها .
هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّها خديجة أمُّ المؤمنين، كانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سيدة النساء في زمنها، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع، والسيدة فاطمة رضي الله عنها إحدى هؤلاء الأربع، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
ولدت قبل البعثة بقليل، تزوجها الإمام علي كرم الله وجهه في ذي القعدة من سنة اثنتين بعد وقعة بدر، لها من الأولاد الحسن، والحسين، والمحسن، وأم كلثوم، وزينب، أبناء علي بن أبي طالب، وكان عليه الصلاة والسلام يحبها، ويكرمها، ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت رضي الله عنها صابرة، دينة، خيرة، قانعة، شاكرة لله عز وجل، وقد غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام, لما بلغه أن أبا الحسن هم ولم يفعل بما رآه سائغاً من خطبة بنت أبي جهل.
فَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:
((إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ, فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ, فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ, وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ, فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ, يَقُولُ:
أَمَّا بَعْدُ, أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي, وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي, وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا, وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما ]
فترك علي رضي الله عنه الخطبة رعاية لها .
الحديث عن السيدة فاطمة يطول، حديث مسعد، فهي سيدة عصرها, هي إحدى أربع نساء كملن في العالمين، والمرأة إذا كملت شيء لا يوصف، المرأة إذا كملت تكون قرة عين لمن حولها .
إليكم بعض الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن مكانة السيدة فاطمة بنت النبي
أيها الأخوة, صح في السيرة، وفي سير أعلام النبلاء, وسنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ))
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ لِعَليٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ:
((أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ, وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ))
[أخرجه الترمذي في سننه ]
والحقيقة من كرامة النبي عند الله؛ أن جعل له أهل بيت أطهار، ومن كرامة النبي عند الله أن الله اختاره، واختار له أصحابه، ومن كرامة المؤمن الآن؛ أن يكون حوله مؤمنون على شاكلته، يعرفون قدره، يعرفون علمه، يعرفون خلقه، يعرفون ورعه، يعرفون محبته لله عز وجل، إذا أحاطك الله بمن يقدرك، ويعرف قيمتك, فهذه نعمة من نعم الله الكبرى، وأكبر عقاب يُعاقب به الإنسان, أن يكون الذي معه مناقضاً له، أن يكون الزوج صالحاً, والمرأة سيئة، وأن تكون الزوجة صالحة, وزوجها يعصي الله عز وجل, أكبر عقاب تُعاقب به أن تكون أنت في واد، ومن حولك في واد آخر، فمن تكريم الله لك أن يجعل الذين حولك على شاكلتك، وكلما ارتقى الإنسان, يكرمه الله بأن يقيض له كرماء صالحين، وما أخلص عبد لله عز وجل إلا جعل قلوب المؤمنين, تهفو إليه بالمودة والرحمة .
ترى الأخوة المؤمنين بينهم اللطف، والمودة، والاحترام المتبادل، والزيارات، والبذل ، والتضحية، وترى أسرًا في المحاكم, والخصومات، والشتائم, والسباب، والبغضاء، والشحناء، هؤلاء بهائم، أما الإنسان فهو مخلوق راق جداً .
نزع أحد الصحابة عن النبي ريشة عن ردائه، فرفع النبي يديه إلى السماء, وقال:
((اللهم أكرم من نزعها))
وكانت تعظم عنده النعمة مهما دقت .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
وعَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ, قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ فَسُئِلَتْ:
((أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ, فَقِيلَ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: زَوْجُهَا، إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا))
[أخرجه الترمذي في سننه]
هل شاركت فاطمة معاناة أبيها أثناء نشر دعوته بين أبناء قومه, وماذا قال علماء السيرة عنها؟
أيها الأخوة, السيدة فاطمة الزهراء كانت واحدة زمانها، وعظيمة دهرها، لما تهيأ لها من الكثير من مشاهد النبوة والوحي، فقد صحبت أباها من نعومة أظفارها إلى أن فارقها النبي صلى الله عليه وسلم, يوم التحق بالرفيق الأعلى، على مدى ربع قرن .
أيها الأخوة, فقد كانت مع النبي، وشهدت كل أحداث الدعوة، شهدت معاناة النبي في مكة، شهدت الهجرة، شهدت الغزوات، كل المعاناة التي عاناها النبي كانت إلى جانبه، كانت معه، كانت ترى بعينيها تطور البعثة من حال إلى حال، لذلك كانت رضي الله عنها شديدة الحزن على أبيها عليه الصلاة والسلام، فهي لم تعرفه إلا نبياً مرسلاً من عند الله تعالى، وهي دون الرابعة من عمرها، فلم تكد تعي على الدنيا إلا ويملأ سمعها أحداث تبليغ الدعوة ونشرها، وبثها بين جموع قريش، لازمت النبي، وشهدت كل شيء، شاركته في كل شيء، عانت كل شيء، لذلك قال علماء السيرة: كانت أشد عزماً من أخواتها، وأكثر وعياً لما جرى, ويجري من أحداث, واكبت دعوة التوحيد والإيمان .
أيها الأخوة الكرام، لهذا احتلت فاطمة الزهراء تلك المكانة العظيمة، ليس عند أبيها فحسب، بل عند جميع المؤمنين والمؤمنات .
أيها الأخوة, ذكر هذه السيدة الجليلة, يعطر المجالس، الكمال رائع في المرأة الوفية، المرأة المحبة، المرأة خفيفة المؤنة، كثيرة البركة، المرأة التي تسعى لإسعاد زوجها، المرأة التي ترضى من زوجها كل قليل، المرأة التي تحب الله، هذه امرأة كما يقول بعضهم: أندر من الكبريت الأحمر.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يزوجها إلا لرجل كفء لها، والكفاءة في الزواج مهمة جداً، أحياناً فتاة تحفظ كتاب الله ,فلا ينبغي أن تُزوج لشاب شارد, لا يعرف قيمة دينها، ولا قيمة ورعها، آباء كثيرون تزل أقدامهم حين لا يزوجون بناتهم لمن كان كفئًا لهن .
فهذه السيدة رضي الله عنها لها من البلاء في الإسلام ما كان لها، ولها من التضحية في سبيل الله ما كان لها، ولها من معايشة الدعوة الإسلامية من بدايتها مثل ما لها .
من كان زوجها؟ ربيب النبي عليه الصلاة والسلام الذي رباه، وحامل لوائه، وناصره على أعدائه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا غرابة أن الله تعالى يباهي جميع خلقه بفاطمة ابنة حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما حباها من تلك الخصال والصفاء .
الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن إكرامه لفاطمة وأنها أكثر الناس شبهاً به :
ورد في الترمذي في سننه من كتاب الفضائل عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ:
((سَأَلَتْنِي أُمِّي مَتَى عَهْدُكَ (تَعْنِي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ فَقُلْتُ: مَا لِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَنَالَتْ مِنِّي, فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ, فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ, ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي, فَقَالَ: مَنْ هَذَا، حُذَيْفَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: مَا حَاجَتُكَ, غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا مَلَكٌ, لَمْ يَنْزِلْ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ, اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ, وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
من هو الإنسان العظيم؟ الذي له عند الله مكان عظيم, قال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾
[سورة القمر الآية: 54-55]
إن كان لك عند الله مقعد صدق، فهذه هي الجنة، وهذا هو الفوز العظيم، وهذا هو الفلاح، وهذا هو النجاح، وهذا هو التفوق، وهذه هي السعادة، أن تكون لك حظوة عند الله .
وفي الحديث الصحيح عند الترمذي, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
قال كتاب السيرة فيما نُقل:
((إن هذه السيدة الجليلة كانت كثيرة الشبه بأبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم))
يعني أكثر بناته شبهاً به السيدة فاطمة رضي الله عنها .
وعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ, عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, أَنَّهَا قَالَتْ:
((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا, وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلَامًا, وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْيَ وَالدَّلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا, كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))
[أخرجه أبو داود في سننه]
بربكم أنتم آباء، أحياناً تأتيكم بناتكم زائرات، تدخل البنت أهلاً أبي، الأب جالس مرتاح ولا يتحرك:
((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ))
طبقوا هذا:
((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))
الحياة كلها مودة، أجمل ما في الحياة المودة والحب، والاحترام المتبادل، والوفاء، والتضحية، فالإنسان حين يعيش حياة الود، حياة الحب، حياة الكرم، هذا إنسان سعيد .
مرة رأى أخ بيتاً مناسباً, فقال: ممكن أن نرى البيت يا أستاذ، قلت: لا مانع، فذهبنا نرى البيت, دخلنا إلى غرفة, وجدنا صبيًا في الخامسة عشر مضطجعًا على قفاه، ورجل فوق رجل, يشاهد مسلسلا، ولم يتحرك، ولم يغير مجلسه، ولم ينظر إلينا، هذه التربية، هذه تربية المسلسلات .
أما تربية سيد الأنام:
((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا))
لقد كان لفاطمة رضي الله عنها, ولزوجها علي كرم الله وجهه, وابنيها الحسن والحسين مكانة عظيمة .
ففي سنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ, وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ))
أخواننا الكرام، صدقوا أن الله جل جلاله إذا حباك بأهل صالحين، أهل أعفة، أتقياء، أنقياء, فهذه نعمة لا تعدلها نعمة .
أنا أقول لكم: كثير هم الرجال الذين يكفرون نعمة الزوجة الصالحة، زوجة عفيفة، قنوعة، تخدم زوجها، يبحث عن بعض الأخطاء، ويكبرها، وينشئ مشكلة، هذا إنسان جاهل، وكثيرات هن الزوجات اللواتي حباهن الله بأزواج صالحين، مستقيمين، تبحث عن بعض نقاط الضعف فتكبرها، المرأة أحياناً تكفر بنعمة الزوج، والزوجة أحياناً يكفر بنعمة الزوجة الصالحة، فهناك زوج صالح، وهناك زوجة صالحة .
مرة ملِك من ملوك قرطبة, وهو ابن عباد، كان يمشي في حديقته، فرأى بركة ماء، وقد هبت الريح على صفحة الماء, فجعلت منها كالزرد، فقال:
نسج الريح على الماء زرد ............................
ولم يستطع أن يكمل البيت، وكانت وراءه جارية، قالت له:
.......................... يا له درعاً منيــعاً لو جمد
فأُعجِب بهذه الجارية، وتزوجها، وجعلها السيدة الأولى، وأكرمها إكراماً ما بعده إكرام ، اشتهت مرةً حياة الفقر، كيف كانت تدوس في الطين؟ فطلبت منه أن تعيش يوماً واحدًا حياتها السابقة، فجاء بالمسك، والعنبر، وماء الورد, فجبلها وجعلها طيناً، وقال: دوسي فيه, هذا هو الطين, ثم جاء ابن تاشفين من شمال أفريقيا, قضى على ملوك طوائف، وأودعه في السجن، وافتقر، فكانت هذه الجارية زوجته, تقول له مرةً: لم أر منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟ فاستحيت .
لماذا ذكر السيدة فاطمة يملأ القلوب سعادة؟ من وفائها، من تواضعها, من حرصها على سعادة زوجها، من حرصها على راحته، من حرصها على عدم الضغط عليه .
الآن تضغط الزوجة، تضغط حتى يأكل زوجها الحرام، ويسرق حتى يخلص من شكواها .
قال رجل لامرأته: لقد هلكت من كثرة شكواك وهمومك، فقالت له: إذًا: يوم أشكو به, ويوم أريحك، فكانت في يوم راحته, تقول له: غدا أوجع رأسك، فالإنسان بكماله، فالإنسان بأخلاقه، الإنسان بمحبته .
الآن: كم من إنسان تموت زوجته، إذا فكر في الزواج, قامت بناته عليه بالنكير، السيدة فاطمة لما توفيت أمها السيدة خديجة, رأت أن أباها بحاجة إلى زوجة، فلما تزوج فرحت ، وكانت أكبر معين .
تقول البنت: نحن نخدمك، هم لا يفهمون، الإنسان بحاجة إلى امرأة، وليس إلى بنت، هناك خصوصيات للإنسان لا تحلها البنت، فلذلك البنت الوفية لا تقف حجر عثرة أمام زواج والدها إذا كان بحاجة إلى زوجة .
كيف كانت علاقة السيدة فاطمة مع زوجات أبيها ؟
لما تقدمت خولة بنت الحكيم, تخطب للنبي صلى الله عليه وسلم لتزوجه, لم تكن لفاطمة وأخوتها من معارضة، بل كن جميعاً راغبات راضيات عن زواج أبيهن، الذي أضناه الحزن على فراق أمهن خديجة، ولما جاءت خولة, قالت:
((أفلا أخطب عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: بلى، ثم قال: فإنكن معشر النساء أرفق بذلك))
خطبت خولة عليه سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، فتزوجهما، فبنى بسودة بمكة، ثم بعائشة بالمدينة .
الآن في التعبير الدارج بنت الحماة مخيفة، حماية ثانية، السيدة فاطمة كانت من أرفق النساء بزوجات أبيها، إذا العلاقة طيبة بين البنت وزوجة والدها، هذا شيء مثالي .
فعاشت فاطمة مع زوجتي أبيها بكل حب وحسن عشرة، بل كان يزيد في سرورها رؤية أبيها سعيداً في زواجه هذا .
الآن بنت الزوج دائماً ضد خالتها، امرأة أبيها، ضدها على طول مهما فعلت، فكانت فاطمة رضي الله عنها تتظافر مع عائشة في الأمور التي كانت تراها فيها محقة, وهي أكبر عون لزوجة أبيها .
أعرف أن زوجة الأب لا يحبها أولاد الأب، أحد أخواننا ذكره الله بخير, قال: لي خالة, إذا ذكرتُ اسمها ثلاث مرات, أبكي من محبتي لها، عاملتنا معاملة أحن من أمنا .
لمَ هذه القاعدة الثابتة: أن امرأة الأب ضد أولاد زوجها؟ الإيمان يصنع المعجزات، فإذا كانت المرأة مؤمنة, فلا تعامل أولاد زوجها إلا كأولادها، فالسيدة فاطمة لم تكن كبقية النساء بهذه العداوة الثابتة مع زوجة أبيها، بل على العكس، كانت تتعاون مع السيدة عائشة إن كانت محقة في تعاونها.
أما موقفها من أزواج أبيها, فقد كانت أكثر انسجاماً، واحتراماً، وتوقيراً، ولا شك أنها في ذلك تقوم بواجبها تجاه حق أبيها .
إذا كان الأب متزوجًا، وكل يوم عنده مشكلة لا يرتاح، أما عنده ابنته من زوجته السابقة في البيت فلا مشكلة، فيه انسجام، فيه مودة، وفيه تعاون, كل يوم حياة لا تُطاق، فالقاعدة الأساسية: ما الذي يسعد أباها؟ أن يدخل البيت مرتاحًا، فما كانت تختلق مشكلة إطلاقاً، بل كانت أكبر معوان لزوجات أبيها .
موقفها دائماً كان توقير زوجاته، والإحسان إليهن، والتأدب معهن، ولم يكن منها رضي الله عنها أي تصرف يثير غضب إحداهن، فقد كانت أكبر تعقلاً لما يحصل لبنات جنسها.
سمعت من يومين قصة امرأة لا تنجب، وزوجها جيد جداً، وهو متألم بعدم إنجابها، ويتمنى الولد، ولكن بمحبته لها, فهو ساكت، خرجت وخطبت له، وفاجأته بزوجة جيدة، هي خطبتها، قال: والله عشنا معاً أكثر من خمسة عشر عامًا، لم تحدث مشكلة في البيت, عقل راجح، زوج وفيّ، زوج جيد، فالحياة إذا بنيت على الإيمان شيء رائع .
امرأة صالحة جداً، تزوجها رجل، قال لها: بزماني كنت أفكر في الزواج من امرأة، ثم تركت الزواج منها، قالت لي: إذا تزوجتني, أسلم وأتزوج، وأحفظ القرآن، فلما علمت زوجته الدينة أن هذه المرأة إذا تزوجها تسلم، وتتحجب، وتحفظ القرآن, قالت: بالله عليك تزوجها اليوم ، وجاء بها إلى البيت .
المرأة إذا كان دينها أصليًا, إذا كان دينها نابعاً منها، ليس ضغطاً، ليس قهراً، إذا كان دينها نابعاً منها, تفعل المعجزات، تفعل الأعاجيب, لأنها رأت أن هذه المرأة إذا تزوجها زوجها, دخلت بالإسلام، وتحجبت، وحفظت كتاب الله، هذا كسب كبير جداً .
إليكم بيان خطبتها وزواجها بشكل تفصيلي :
سيدنا علي لم يكن ليتقدم لخطبة فاطمة من أبيها إلا على وجل شديد لما يعلم ما لها من المكانة العظيمة عنده صلى الله عليه وسلم، وما لها من الحب الكبير في نفسه الشريفة، فكان يتحين الفرص المواتية ليتقدم إليه بهذا الطلب الغالي، وطال انتظار علي سنين عددًا، حتى إذا خامره الرجاء في تحقيق رغبته بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، أمسك أيضاً ، لأنه لا يملك مهرها, فقير، وليس في يده مال، ثم زاد إحجامه, حينما بلغه أن الصحابيين الجليلين خطباها.
سيدنا أبو بكر خطبها، سيدنا عمر خطبها، هو فقير, لا يملك نقيرًا ولا قطميرًا، إلا أنه ابن عمها، وحين شعر الصحابة برغبة علي في خطبة فاطمة, شجعه على مراده بعض أصحاب رسول الله، وأخذ يزيده في الترغيب بما له من قرابة النسب، ومنزلة أبويه من قلبه الشريف، أبوه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد، وكانت أول هاشمية تلد هاشمي، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم حين كفله عمه أبو طالب أماً بعد أمه .
يوجد مداخلات، قرابة شديدة، مكانة عالية، فوقف علياً رضي الله عنه ملياً يفكر، هو بحق أجدر الناس بفاطمة بنت رسول الله، إنه كان قد تربى، وعاش في حجر النبي، ولم يفارقه ، فزاد هذا في أمله، فتشجع, وطلب من النبي فاطمة .
قال:
((فما راعه إلا أن التفت إليه صلى الله عليه وسلم, وسأله مترفقاً, هل عندك شيء ؟ -يعني هل عندك مهر لفاطمة؟- فأجابه علي كرم الله وجهه: لا, يا رسول الله، فذكره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أصاب يوم بدر درعاً, فقال له: فأين درعك التي أعطيتك يوم كذا؟ فأجاب علي رضي الله عنه: هي عندي يا رسول الله، قال له: فأعطها درعك -هذا المهر، لا غيره، ليس خاتم ثمنه ثمانمائة ألف, إنه درع فقط .
لذلك عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مؤنَةً))
[أخرجه أحمد في مسنده]
الآن ماذا ستلبسونها؟ شرط، الذهب وألماس, وشهر العسل في فنيسيا, هكذا طلبات الناس، بيت معين، مساحة معينة، بشارع معين، شهر عسل بمكان معين .
قال: ثم بيعت الدرع بأربعمائة وسبعين درهماً، فجهزت بها عروسه، وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم زواج علي على ابنته فاطمة رضي الله عنهما، وأسكنها صلى الله عليه وسلم قريباً من بيته- .
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي قبل ليلة الزفاف: لا تحدث شيئاً حتى تلقاني, فدعا بإناء, فتوضأ منه، ثم أفرغه على فاطمة وعلي، وقال: اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما))
أيها الأخوة, وتم زواجهما على بركة الله تعالى، وكان عمر العروس فاطمة يوم زواجها من علي بن أبي طالب ثمانية عشر عاماً، وكان علي زوجها ستة وعشرين عاماً، فكانا قريبين من أحلام أمثالهما، غير أنهما كانا منصرفين إلى ما هو أسمى من كل ذلك، إنهما تابعا السير في سبيل نشر الدعوة .
ما العمل الذي كانت تقوم به فاطمة حينما يكون زوجها غائباً عن البيت, وكيف كانت تستقبله حينما يأتي إليها ؟
فهذا علي رضي الله عنه ينصرف مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، وهذه فاطمة تستمر في نهجها بين نسوة الأنصار، والمهاجرين، وفتياتهم، تبث فيهم روح الدعوة الإسلامية المنفتحة، الممتدة في ربوع الحجاز، وكان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً .
الآن إذا تأخر الرجل قليلاً في السهرة, يُقام النكير على هذا الشيخ, الذي شغل زوجها قليلاً, ما أروع امرأة في مستوى زوجها! ما أروع امرأة في مستوى الدعوة! ما أروع امرأة تحمل هموم المسلمين! ما أروع امرأة تعرف قيمة زوجها! .
كان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله أبداً, إلا ما كان في غزوة تبوك حين استخلفه في المدينة، فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ, وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا, فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]
وكان رضي الله عنه, كلما رجع إلى بيته من غزوة غزاها, أو سرية قادها, وجد زوجته بانتظاره.
أحياناً يأتي الزوج متعبًا، العمل شاق، والعمل خارج البيت متعب، هموم، ضغوط، مشكلات، فهي تأتي تستقبله باللؤم، بالتقريع، بالضغط الداخلي، ماذا يحصل لهذا الزوج؟ ضغط من الداخل، وضغط من الخارج, أما المرأة الصالحة فتنسي زوجها هموم العمل، تنسيه ضغوط الحياة، تستقبله، تؤنسه، تحترمه .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
((مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ, فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ, حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ, قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً, فَأَكَلَ وَشَرِبَ, فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ, فَوَقَعَ بِهَا, فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا, قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ, أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ, فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ, أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا, قَالَتْ: فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ, قَالَ: فَغَضِبَ, وَقَالَ: تَرَكْتِنِي, حَتَّى تَلَطَّخْتُ, ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي, فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا, قَالَ: فَحَمَلَتْ, قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ, وَهِيَ مَعَهُ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ, لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا, فَدَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ, فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ, فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ, وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ, إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ, وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ, وَقَدْ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى, قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ, مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ, انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا, قَالَ: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا, فَوَلَدَتْ غُلَامًا, فَقَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ, لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ, حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ, فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ, فَلَمَّا رَآنِي, قَالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ, قُلْتُ: نَعَمْ, فَوَضَعَ الْمِيسَمَ, قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ, فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ, وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ, فَلَاكَهَا فِي فِيهِ, حَتَّى ذَابَتْ, ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِيه الصَّبِيِّ, فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا, قَالَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ, قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
امرأة ترعى حق زوجها، تخفف عنه آلام الحياة، آلام العمل، الحياة فيها ضغوط شديدة .
أخواننا الكرام, نسب الأمراض تزيد، نسب الأورام تزيد، نسب أمراض الدم, والقلب ، والأوعية, تنزل إلى الثلاثين، والخمسة وعشرين من شدة الضغوط، أنا أستمع إلى بعض القصص، ضغط من الخارج، وضغط من الداخل .
كان إذا عاد من غزوة غزاها أو سرية قادها, عاد إلى بيته, وجد زوجته بانتظاره, قد هيأت له أسباب الراحة، لتخفف عنه بعض ما وجدوا من عناء السفر والغربة عنها .
هل عاشت السيدة فاطمة حياة المتنعمات عند زوجها, وما هو أثاث بيتها ؟
قال: لم تكن حياة فاطمة في بيت زوجها مترفة، ولا ناعمة، شأنها في ذلك, شأن حياتها عند أبيها قبل زواجها، حياة خشنة، والحياة الناعمة لا تصنع الرجال، ولا تصنع البطلات.
سيدنا علي, حينا شُغل بالجهاد مع رسول الله, شُغل عن جمع المال، والاتجار به، لو سخر وقته في التجارة لصار مليونيرًا، قدرات عند الإنسان عالية، هو صرفها في معرفة الله، وفي نشر الحق .
التاجر أحياناً من الصباح, وحتى منتصف الليل, يفكر في التجارة, سوف يتابع أموره ويربح، أما إنسان آخر, جاهد نفسه وهواه، طلب العلم، هذا كله يحتاج إلى وقت .
فانصرف هذا الصحابي الجليل, ابن عم النبي, إلى نصرة صلى الله عليه وسلم، ونشر التوحيد بين الناشئين، فشغله ذلك عن سبيل الثراء, الذي كان أشراف قريش, قد وجهوا شبابهم إليه، فلا عجب إن رأينا هذا الصحابي الجليل, لا يملك مهراً لزوجته سوى درعه، وحال سيدنا علي قبل الزواج, لم يكن خافياً على السيدة فاطمة، الآن إذا خطب إنسان، وليس معه شيء، طولب بكل شيء، طيب لماذا قبلتم؟ .
فكان حال سيدنا علي واضحًا للسيدة فاطمة، وكانت تعلم أن علياً لم يكن ثرياً، فلذلك لم تفاجأ بالجهاز التي جُهزت به، كان مؤلفاً من خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين .
الآن تريد غرفة النوم كذا، الجلوس كذا، الثريات كريستال، طلبات مهرها عجيبة, وتلك الصحابية خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين، وشيء من العطر، وهي في هذا راضية كل الرضا، لأن هذا الزواج كان برضا أبيها، لذلك كانت فاطمة سعيدة كل السعادة في بيت زوجها علي رضي الله عنه على ما كانت عليه من شظف العيش .
من روائع هذا النبي :
اسمعوا هذه الحادثة، كان علي رضي الله عنه, كلما عاد إلى بيته, يرى فاطمة متعبة راضية, فيساعدها في بعض أعمال البيت القاسية في كل وقت, مكنته الظروف من ذلك، حيث كان غير قادر على أن يستأجر لها خادماً، أو أن يشتري لها أمة, تقوم عنها بأعباء البيت، فكان هو يخفف عنها بعض عناء البيت .
فجاء عليٌّ مرةً فرآها، وهي تسقي من البئر, حتى اشتكت صدرها، فقال رضي الله عنه:
((قد جاء الله بسبي، فاذهبي إلى رسول الله فاستخدمي، -أي ائتي بخادمة- .
فقالت: وأنا والله قد طحنت, حتى مَجَلَتْ يداي, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما جاء بك أي بنية؟ استحييت, قالت: جئت لأسلم عليك، واستحييت أن أسأله، ورجعت فأتيناه جميعاً .
جاءت بسيدنا علي، فذكر علي حالها، -أن ابنتكم يا سيدي متعبة العمل شاق، جسمها ضعيف، فهل من خادمة؟- فقال صلى الله عليه وسلم: لا والله لا أعطيكما, وأدع أهل الصفة, تتلوى بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم))
النبي عد المؤمنين أسرة واحدة، ما أعطى ابنته خادمة، وهناك فقراء, يتلوون من الجوع .
والحديث في صحيح البخاري, عَنْ عَلِيٍّ:
((أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام, أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى, وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ, فَلَمْ تُصَادِفْهُ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ, فَلَمَّا جَاءَ, أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ, قَالَ: فَجَاءَنَا, وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا, فَذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا, فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي, فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا, إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؟ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ))
وفي رواية أحمد:
(( فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَرَكْتُهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ رَجُلٌ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟))
أرأيتم إلى النبوة؟ المؤمنون أسرة واحدة .
وفي درس آخر إن شاء الله, نتابع الحديث عن السيدة الجليلة رضي الله عنها وأرضاها، فهي سيدة نساء أهل الجنة، وهي من أربع نساء, كملن ولم يكمل غيرهن .

قناة منى اليريمي

 |قناة منى اليريمي|    قناة تعليمية متخصصة في مادة اللغة العربيةتنشر ثقافة العربية بصورة  شيقة وميسرة تجعلها سهلة  التناول لمن يرغب في تطوير...